البيضاء – ليبيا·
أعد الحوار : صالح سعد يونس
· حاورته : حواء صالح
سعد الحمرى ناقدٌ مميزٌ متميزٌ يتسم بخطاه المتأنية ورؤاه المتعمقة فى تعامله كناقدٍ مع النص .. وربما لهذا السبب إضافةً إلى تراكم أعباء الحياة نجده مقلاً جداً .ولد بقرية (( ماسة )) إحدى ضواحى مدينة البيضاء عام 1962 .. تلقى تعليمه بالبيضاء حتى حصوله على دبلوم الإلكترونات .. يكتب القصة والقصيدة والمقالة لكنه يميل إلى الدراسات النقدية أكثر من سواها .. وجاءت باكورة تلك الدراسات مضمنةً فى كتابه الأول (( الوشاح الممزق )) الصادر عن مجلس تنمية الإبداع الثقافى .. والذى يتضمن دراسةً مستفيضةً فى أعمال الروائى المبدع (( إبراهيم الكونى )) .وهو على علاقةٍ وثقى بالمسرح .. فهو مخرجٌ مسرحىٌ قدم عدداً من الأعمال الفنية المسرحية منها (( مسرحية الكاسكا )) التى شارك بها فى المهرجان التاسع للمسرح بطرابلس .. كما قلد منصب رئيس اللجنة الثقافية بالمهرجان الأول للمسرح التجريبى بالبيضاء .قدم سعد الحمرى العديد من البرامج لإذاعة الجبل الأخضر المحلية المسموعة منها (( ملفات وقضايا – شارع الثقافة – هوامش ثقافية )).
· بما أننا فى حضرة ناقدٍ مميزٍ فلابد أن يكون حوارنا حول النقد بصفةٍ خاصة .. تحديداً سنتناول أزمة النقد وعجزه عن مواكبة الحركة الثقافية فى ليبيا تحديداً وعلى مستوى الوطن العربى على وجه العموم .- يقول الأستاذ أمين مازن ضمن مقالٍ نشر له بمجلة المؤتمر: (( تجمع آراء الكثيرين على اعتبار الكتابة النقدية شكلٌ من أشكال الإبداع .. وثمة من يذهب إلى أكثر من ذلك فيعطيها المنزلة الأهم .. ولا يأتِ ذلك من خلال ما يتكفل به النقد من إلقاء الضوء على جانب الجمال فى الأعمال الأدبية .. وإنما لأنها بما تنهض به من تعبير فى الجوانب السلبية أيضاً )) .نفهم من ذلك أن الناقد كالمعلم الذى يشرح لتلاميذه الدرس .. أو كساعى البريد الذى يتسلم من طرفٍ ليسلم لطرفٍ آخر .. لكن ما نلاحظه لا سيما فى هذه المنطقة هو غيابٌ كاملٌ للحركة النقدية .. فالنقد عاجزٌ تماماً عن مواكبة حركة الإبداع وبالتالى فهو عاجزٌ عن غربلة ذلك الإنتاج لانتقاء الجيد وتصحيح مسار الآخر .. فلماذا يعود هذا القصور فى مواكبة حركة الإبداع من قبل النقد ..؟.
· إذا كنتم تقصدون منطقة الجبل الأخضر فالإبداع بصفةٍ عامةٍ يعانى حالةً من الإرباك .. أو ما يمكن تسميتها بحالة البيات الشتوى (( المتعمد )) .. وإذا ما تحدثنا عن آليات النقد فأنا أختلف معكم حول ما ذهبتم إليه من تشبيه الناقد بالمعلم .. لأن النقد عملية مواكبةٍ لحركة الإبداع .. والإبداع لا يترعرع فى ظل غياب النقد .. كذلك لا وجود لناقدٍ فى ظل عدم وجود إبداعٍ يرتقى لمستوى النقد .. وفى منطقة الجبل الأخضر فحالة البيات هذه تشمل الكل .. الإبداع كما النقد .
· عندما يسمع الإنسان كلمة نقد يتبادر إلى ذهنه على الفور الإنتقاد السلبى .. فصورة الناقد فى أذهاننا نتخيلها وكأنه يحمل معولاً للهدم .. فهلا قدمت لنا تعريفاً مبسطاً للنقد ودوره ..؟.
· فى زمن مضى عرف النقاد أو قيل عنهم بأنهم (( جنرالات فاشلون فشلوا فى احتلال المدن فلوثوا مياهها )) .. أو بما معناه أنهم أناسٌ عاجزون عن الإبداع فيدكون الإبداع بمعاول الهدم .. لكن هذه ليست هى العملية النقدية .. فالناقد إذا ما امتدح عملاً أدبياً أو انتقده فلابد له أن يقول لنا لماذا امتدح أو انتقد ذلك العمل .. والنقد ليس عملية تدجيلٍ أو تبجيلٍ أو تطبيلٍ أو هدم لنصٍ أو مبدع .. بقدر ما يجب أن يضع الناقد فى اعتباره أنه لابد وأن تتوفر لديه المعطيات ليقول لماذا انتقد هذا النص .. أو بأى الآليات أو المناهج انتقد هذا العمل
· نعم .. وهنالك الكثير من الدراسات التى لا نستطيع أن نقول بأنها دراساتٌ نقدية لأنها لا تتناول النص بشكلٍ علمى أو منهجى .. فما سبل وآليات تعامل الناقد مع النص الأدبى ..؟.
· هنالك فروقاتٍ كثيرةٍ ما بين الإنطباع والنقد .. فالإنطباع هو أن نقرأ عملاً نتلذذ به أو لا نتلذذ .. يعجبنا أو لا يعجبنا .. وهو ما يعرف بالإنطباع الأول .. أما بالنسبة للنقد فله آلياتٌ ومناهج وطرق .. بمعنى أنك إذا ما قررت أن تخوض العملية النقدية فلابد أن تتوخ الدقة والموضوعية والمنهجية العلمية فى تناول هذا العمل الإبداعى .. حتى نستطيع أن نقرأ عملاً إبداعياً على يد ناقد .. وكما الكاتب مبدع فالناقد يجب أن يكون مبدعاً هو الآخر فى عملية نقده للنص .
· هل تعتبر غياب الحركة النقدية هذا ناتجٌ عن عدم معرفتنا بأصول النقد ..؟.
لا.. ذلك .. فالنقد على المستوى العربى يعانى من حالة إرباك .. يعانى من الإستلاب فيما يسمى بنظام المصطلح .. نحن نعانى من قطيعةٍ مع التراث .. أقصد تراثنا النقدى من عبد القاهر الجرجانى إلى من خلفه من الأسماء الرائعة التى تركت لنا تراثاً نقدياً يمكن أن نؤسس من خلاله منهجاً نقدياً حديثاً لنا كعربٍ يمثل خصوصيتنا .. لكن حدثت القطيعة مع هذا التراث وتركنا الماضى برمته وبدأنا باستلاب الآخر.. إذا ما أخذنا أشكال النقد الأوروبى ومصطلحاته سنجد تبايناً ما بين ناقد عربى وناقد عربى آخر حتى فى تفسير المصطلح نفسه .. وبالتالى وقعت الهوة ما بين الكاتبة الإبداعية وما بين النقد الذى يفترض بالضرورة أن يواكب هذه الحركة .. من هنا نجد أن أغلب الأعمال النقدية مستهجنة أو وجدت للتطبيل لأناسٍ معينون .. ومن النادر جداً أن نجد عملاً نقدياً يمتاز بالموضوعية ويتكىء على أسسٍ صحيحةٍ سليمةٍ لصياغة نصٍ إبداعى جميل .
· لكن هنالك تفاوتاً فى الحركة النقدية ما بين الدول العربية .. ففى المغرب العربى نجدها أفضل حالاً كما تونس والمغرب والجزائر ..؟.
* نعم .. فإخواننا فى تونس والجزائر والمغرب استفادوا من الحركة النقدية الفرنسية .. ولو دققت وتمحصت على مستوى المدارس فى أوروبا ستجدين أن مدارس النقد فى فرنسا هى أفضل المدارس النقدية .. والنقد فى المغرب العربى هو مواكبة التلميذ للأستاذ .. والإجتهاد فى هذا المجال جاء على يد محمد برادة ومجموعة من الأسماء التى حاولت أن تقرب أو تسد الهوة بين التراث العربى وآليات النقد فى الغرب .
· مادام الحال هكذا فهل نفهم أن معاناة دراسة نص معين دراسةً نقدية تعد أكثر صعوبةً من معاناة كاتب النص نفسه ..؟.
لابد أن نضع فى اعتبارنا أن النقد ليس عملية تذوقٍ أوانطباعٍ بقدر ما هى عملية اجتهادٍ محضٍ .. بمعنى أن هنالك استناداتٌ وبراهينٌ من خلال تحليلك للنص حتى تصل بقناعة إلى من يقرأ لك ويقتنع أنك كنت مجتهداً فى استقرائك وتحليلك لهذا النص أو ذاك .
· خلاصة الكلام .. كيف تقيم الحركة النقدية على المستوى المحلى ..؟.
· يا عزيزتى أنا قلت أن الحركة الثقافية لدينا تعانى من بيات إبداعى فى ظل غياب الصحف المحلية والمنشورات والجهات التى ترعى الإبداع وتهىء المناخ الصحى اللازم لنمو الحركة الإبداعية على وجه العموم .. وفى ظل غياب وإغفال دور البيوت الثقافية .. فنحن إذن نعانى من قطيعةٍ مع الإبداع .. وأخشى ما أخشاه أننا يوماً ما سنبحث عن مبدع ولا نجده .
· نعم .. ولكن من ناحيةٍ أخرى يؤخذ على الناقد الليبى انصرافه إلى نقد الإبداع العربى أو العالمى .. ألا يعد ذلك ظلماً للإبداع الليبى ..؟.. وهل يعتبر هذا عيباً يؤخذ على الناقد ..؟.
· النقد متاحٌ ولا يمكن أن يقتصر على بيئةٍ بعينها .. فما الضير من أن يتناول الناقد بالدراسة والتحليل نصاً عربياً أو عالمياً ..؟.. ولكنى أقول وهذه حقيقة أن حركة الإبداع الثقافى فى ليبيا هى بأمس الحاجة فعلاً إلى مواكبة النقد لها .. لأن ذلك يعد مدعاةً للإرتقاء بالنص والوصول به إلى غاياتٍ سامية وإلى آفاقٍ أعم وأوسع انتشاراً .. ولا أخفيكم أن أغلب كتابات النقد فى ليبيا الآن تمس المبدع الليبى .. والصحف والمجلات تطالعنا دائماً بكتابات فى هذا الخصوص .. ولعل كتابنا الوشاح الممزق دليل على ذلك لأنه يتحدث عن أعمال المبدع الليبى إبراهيم الكونى .. فهى قراءةٌ مجملةٌ عن وقائع الزمان والمكان عند إبراهيم الكونى .. غير أن الناقد كذلك بحاجةٍ إلى الإنتقال من المحلية أو الخصوصية إلى أفقٍ أوسع هو الأفق العربى .. تماماً كما يحتاج الكاتب فى أى مجالٍ آخر إلى الإنطلاق على المستوى العربى ومن ثم الوصول إلى العالمية .. وصدقينى لو استمر النقد فى ليبيا على هذا المنوال فسيكون النص الإبداعى بخير .. كل ما نحتاجه هو تفعيل دور المؤسسات لتنمية الحركة الثقافية .
· هل نفهم من ذلك أننا الآن بحاجةٍ إلى دراسة أسباب الكتابة أم إلى دراسة ما كُتب ويكتب ..؟.
· من وجهة نظرى أن السؤال الذى يفرض نفسه حال قراءة أى نصٍ إبداعىٍ هو سؤال واحدٌ يتمثل فى ماذا يريد أن يقول الكاتب ..؟.. وعندما نأتى إلى آليات النقد علينا أن نسأل سؤالاً آخر وهو كيف قال ذلك ..؟.. ثم بعد ذلك كله وهل نجح فى ذلك ..؟.. هل نجح فى قول ما يريد قوله ..؟.والسؤال عن حالة الإبداع مهمٌ جداً لمعرفة سبب ارتهان كتابة النص .. أو بصورةٍ أوضح لماذا كتب النص .
· لو خضنا فى ألوان الأدب عموماً ستصيبنا حالةٌ من الإرباك لكثرة صنوفه وألوانه فهناك الواقعى والتجريبى وغيرها الكثير .. ولكل ملامحه وصفاته .. إلام تعزو ذلك .. نقصد هذه الربكة الكبيرة فى تصنيف الأدب ..؟.
· الإبداع فى حد ذاته تجربة .. والكل على اختلاف مدارسهم مازالوا يجربون .. الواقعيون مازالوا يجربون .. الكلاسيكيون كذلك .. والرومنتيكيون على الرغم من وقوعهم فى الأوهام مازالوا كذلك يجربون .. فالنص الإبداعى عموماً حالة تجربة وبالتالى لا يمكن أن نقول أن هنالك مذهب تجريبى .. فالتجربة هى التى تولِّد الدهشة .. والدهشة هى التى تولد النص الإبداعى .أما الواقعية فلها هنا فى ليبيا من ينتمى إليها ويكتب من خلالها .. ولنذكر القاص أحمد يوسف عقيلة الذى يتبع الإسترسال الواقعى فى محاكاة النص والإنطلاق من المحلية هو الذى أوصله إلى العالمية فترجمت إحدى مجموعاته إلى اللغة الفرنسية وتم الإحتفاء به فى المركز العربى الفرنسى فى باريس .. وهو ما نفخر به ونعتبره بالفعل انتصاراً لخصوصيتنا ومحليتنا .. ومثل هذه الحالات تبشر بالخير ولذا فأنا متفائل وقلت لك قبل قليلٍ إن الإبداع سيكون بخير بقليلٍ من الإهتمام .
· سبق لنا فى حواراتٍ سابقةٍ أن طرحنا قضية التفاعل بين المتلقى والنص الإبداعى .. أو بين المبدع والمتلقى .. فهذه العلاقة غير مبنية على وتافقٍ تامٍ فما هو دور الناقد حيال ذلك ..؟.
الناقد دائماً وسيط خير ما بين المبدع والمتلقى .. لكن بالمعنى الضمنى فحالة النقد تصنع حالة إبداعٍ مغايرةٍ لحالة الإبداع التى كتبها الشاعر أو القاص .أما القطيعة الواقعة بين المبدع والمتلقى فلها أسبابٌ كثيرة .. منها انعدام التواصل .. ولو أخذنا مثلاً مرحلة التسعينيات من القرن الماضى وتتبعنا حركة الثقافة على مستوى منطقتنا هذه سنكتشف أنه كان هنالك نشاطٌ وكانت الحركة الثقافية فى حالة انتعاشٍ لوجود البيوت الثقافية والأنشطة المتواصلة فى هذا المجال والصحيفة المحلية التى كانت مهمومةً بالدرجة الأولى بنشر إبداعات الآخرين واكتشاف شعلات الإبداع .. لكن أين ذهب كل ذلك الآن ..؟!!.
· سنسألك فى ختام هذا الحوار المفيد والصحى جداً برغم مرارته والذى نتأمل أن يتكرر فى مراتٍ قادمةٍ ولكن بنظرةٍ تفاؤلية كيف يمكن تحقيق التوافق بين حركة الإبداع وحركة النقد ..؟.
· إذا ما قررنا أن يكون هناك نقدٌ ملتزمٌ يواكب الحركة الثقافية فى بلادنا فلابد من إيجاد وسائط نشر .. وسائط النشر هذه مهمةٌ لتنمية الإبداع والنقد على السواء .. ونقصد بوسائط النشر الصحف والمطبوعات والمكتبات التى ترعى المبدع وتهتم بنشر إبداعاته وتصحح الحركة الثقافية ثم تصنع حركة نقدية لتواكب هذا الكم من الإبداع