الثلاثاء، 21 يوليو 2009

مفازة الأسئلة قراءة فى ديون سعاد يونس (( لم تسطع اسطح المرايا))










لحظة ولادة القصيدة عند(( سعاد يونس )) تبدو لك الاشياء سهلة وادعه ..فيما ترتبك وأنت تقراء وداعة الكلمات ...ودونما تراتيب مسبقه تجد نفسك أمام قصيدة مهندمه ..قصيدة ليست عصية على الفهم لكنها تحتمل فى داخلها الكثير..هكذا يمكن أن يكون فعل الانتشاء إبان قراءة كل قصيدة هو نفسه فعل تذمر لعدم جدوى فك طلاسم الاسئلة المنداحة مابين القصائد
يتكور شىء ما فى داخلك وأنت تبحث عن اللحظة التى أنجز من خلالها هذا النص الشعرى أو ذاك. وفيما يستر اطلاعك فى القصائد بنكهة الرضوخ للامر الواقع تبداء كل الاشياء بالتكور فى داخلك ثم لن تجد سبيلا آخر الا أن تلتف حول النص
بغية القراءة خلسة بعيدا عن كل الحواجز المعرفية لديك...لاحظ أن التناول هنا قد يخرج عن المعنى بظلال أخرى للمعنى او لمعنى المعنى.
عموما إبان قراءتك لقصيدة ((سعاد يونس )) تدهش لأنك ستكتشف وأنت تقراء انما تمارس لعبة (( البيضة والحجر)) بغية الوصول الى لحظة الاكتشاف.
تؤكد الشاعرة لك ذلك حال دخولك لعوالمها التى رسمتها بأقتدار فى ديوانها الأول((( لم تسطع أسطح المرايا ..؟))الصادر عن منشورات المؤتمر أغسطس 2006...

وبدون ضجيج أو مقدمات منمقة تهب سعاد يونس إهدائها فى ديوانها الى القصيدة التساؤل ..السؤال بغية الاكتشاف هذا الفضاء المفتوح الذى تتركه لنا ((سعاد يونس)) مسمية أياه فضاء تقطنه (( الى الفضاء الذى أقطنه ..وأتركه فضاءً))1
ومن البديهى أن يكون العنوان هو العتبة الأولى التى نلج منها الى عوالم الديوان بشكل كلى... الديوان الذى يبداء بسؤال (( لم تسطع أسطح المرايا..؟)) ليحيلنا الى دهشة تتسع رويدا رويدا ..دهشة ليس لها حد.
فسطوع أسطح المرايا هو أمر بديهى حال سقوط الشمس أو ضوء قوى عليها ستولد ذلك الذى نسميه لمعاناُ او إنعكاساُ..ويسميه البعض سطوعاُ...فهل كان العنوان فاتحة لذاكرة بكر طفولية ..هل كانت العفوية والعفوية فقط هى مربط الفرص إبان طرح العنوان الضمتى للديوان ..؟ولكى نشبع هذا التساؤل المشبع بروح طفولية طاهرة وأشئلة بكر لابد لنا من الخوض فى جدوى الاستفهامات المعلقه بين القصائد ..لكى نظفر بالمعنى الجلى للنصوص والذى سيقودنا الى النص الكلى للديوان ففى قصيدة(( لماذا ))تكر التساؤلات الواحد خلف الاخر مخلفا اجابات ليست بحجم السؤال البرىء بل هى أعمق واقدر على فتح فضاءات اخرى للنص.




لماذا. .
حينما تضيع أشيائى..
لاأراها.
إلا فى قسمات الوجوه ...؟
ولاأجد مدنى الغرقى
الا قناديل .
فى أيدى الاطفال...؟
لم تسطع أسطح المرايا
وخلفياتها تتجلل بالسواد...؟


لماذا..
لاتختفى رائحة الغربة.
الا فى عتمة غمرة
لحظات العناق...؟2



إن هذا الكم الهائل من الاسئلة المستفزة التى توحى اليك أن مصدر السؤال برىء فيما تتعلق الاجابة بين شفتيك لأن خروجها يعنى ضياع البراءة والطهر. فتحك رأسك مليا للبحث عن إجابة مقنعه لكل سؤال..


لماذا. .
حينما تضيع أشيائى..
لاأراها.
إلا فى قسمات الوجوه ...؟3



هذا التساؤل المقلق عن ضياع الاشياء تغلفه الشاعره بالبحث عن ماهو كائن قرينا بما هو خيالى او مستحيل
لكننا حين الامعان نجد أن ضياع الاشياء مغزى وأن وجودها فى قسمات الاخرين هو مغزى اخر
فردود الاخرين بأتجاهك حال ضياع اشيائك هو تشكل الوجوه والقسمات لنظرة تأسى او حزن مصطبغ او حتى لحظات مشاركة بالأسىوهى فى الشطرة الثانية لاتكرر الاستفهامية بل تقرن الشطرة بالشطرة مستبدلة السؤال بحرف عطف عائد على الاستفهام الاول وكأن الشطرة هنا لم تنتهى هكذا بل



ولاأجد مدنى الغرقى
الا قناديل .
فى أيدى الاطفال...؟4



فهل كانت الاشياء الضائعه هى نفسها المدن الغرقى وهل وجودها فى أيدى الاطفال دلالة على أن هذه الاشياء ماهى الا أحلام صغيرة وساذجة وبسيطه وهى فعلا الشىء الوحيد الذى لا يخلف ضياعه منك عند الاخرين الا نظرات أسفه وحزينة على قسمات الوجوه.



لم تسطع أسطح المرايا
وخلفياتها تتجلل بالسواد...؟5



هذا الاستفهام الذى هو متن كبير لاهامشى يؤثر فينا فسطوع الأسطح كان ناتجا عن سقوط حزمة قوية من الضوء ..الضوء هنا بمثابة الكشف لكن الاستفهام المقلق والحقيقى هو الذى تطرحه الشاعره كون خلفية هذه الاسطح العاكسة مجللة بالسواد ومن المفترض أن هذا يقودنا الى أنها تعكس مالاتبطن وكأنها نوع من النفوس التى تسطع فيما يخبىء عمقها سوادا لاحد له...والسؤال عند الشاعرة (( النفس المبطنة بالسواد ..ماذا تعكس...؟ هل تعكس قتامة ماتحمله ..للناظر لها ..؟
اذا كانت كذلك فكيف تكون المرايا قادرة على عكس أشياء ليست بواطنها ...

لماذا..
لاتختفى رائحة الغربة.
الا فى عتمة غمرة
لحظات العناق...؟6



رائحة الغربة ..هل تختفى عن الغريب...لاأعتقد أن الصورة تتكامل هكذافالغربة والاغتراب أحيانا قد تكون داخلك دون أن تغادر مكانك او تمارسها
لكن اللحظة التى تقتل هذا الاحساس المرتهن بالنفس هى (( غمرة لحظات العناق)) الآلفة الأمان ..هنا وهنا فقط تفقد الغربة فى النفس معناها ..
ضجيج محير من الاسئله التى فى الظاهر أسطلة الطهر الأولى أسئلة طفلة لم تتجاوز حد الطهر تقودنا الى غابات استفهامية كبيرة وموغلة ومفازات لاحد لها من التأويل والسئلة تتوالى كلما ازداد ايغالك فى القصائد أسئلة تخلف الطنين ورائها وخوفا لامتناهى من الاجابة..

لماذا تفلت من اللجام القصيدة...؟
لماذا
للخوف دائما عودة أنتظرها...؟ 7



هاجسان يتشكلان أمامنا هنا الهاجس الاول هو مرتهن بأفتقاد القصيدة الحالة المعبرة وهى مقترنه حال شروع استفهاميتها بحالة الخوف الهاجس الثانى المتكرر الذى يذهب ليعود من جديد مشكلا هاجسا اخر منتظر


للخوف دائما عودة أنتظرها ...8



وتعود الشاعرة لتطرح فراغا مباغتا آخر من الاسئله مصحوبا هذه المرة بصيغة التعجب..



ماذا..
هل خلت يثرب من مكانها
ونما العشعب عند أطراف الكعبة.
وذرت الرياح كل أبناء العرب
فما بقى بالسوق
غير حمير قينقاع وبنى النضير 9


هذا استفهام مرتهن بتعجب يحمل بين طياتها علامة معلقة ساخرة مابين الشاعر صاحب الاسئلة والشاعرالمتخيل عبر طرف السؤال. واذا ماقلنا أن هذا الاستفهام الجدلى الجماعى الذى وضعته الشاعرة ففى الشطر الثانى تكون محصلة السؤال الاول المطروح سؤال يحمل اجابة حزينة مقترنة بالخيبة العربية


ماذا..
أما زلت تتوسد معولك ياأبى
وتوصينى بأتقان الدفن
وأداء صلاة الموتى..10



وكأن هذا الاستفهام التعجبى الاثانى والذى يحمل بين جوانبه السخرية من واقع معاش شكلت فارق كبيرا بين (( هل )) التى اعقبت التعجب الاستفهامى و((أما)) التى عنت لنا الاستمرارية

وبعد
هذا سريان الاسئلة فى دماء الخطاب الشعرىعند سعاد يونس وهذا غيض من فيض فى ديوانها الاول الذى أنا واثق أنها ستتبعه بالمزيز والمزيد من الدواوين





الهوامش

1/ مقدمة الاهداء فى الديوان ص3
6.5.4.3.2/ قصيدة لماذا من الديوان ص 8
7/ قصيدة مراوغة من قصائد الديوان ص 85
8/ قصيدة مراوغة من قصائد الديوان ص 85
9/ قصيدة ماذا من قصائد الديوان ص91
10/ قصيدة ماذا من قصائد الديوان ص91





ليست هناك تعليقات: