الجمعة، 24 يوليو 2009

أنفاس مفتاح ميلود

النقد

ديوان ((أنفاس)) عن منشورات المؤتمر 2005 للشاعر مفتاح ميلود من شعراءمدينة البيضاء
وسأنطلق فى دراستي هذه من أسم الديوان (( أنفاس))على اعتبار أن المعنى الاستطرادي للعنوان الذي سكبه على الديوان بكامله وهذه اللفظة ((أنفاس)) من خلال افتعالها سنجد أن هذه الكلمة فى مخيلتنا وقع سيربطها بفعلين متعاقبين لاغني لأحدهما عن الأخر
· شهيقا ___________فعل أول____استخلاص لجزيئات الأكسجين من جل الهواء الفاسد
· زفير____________فعل ثاني____حالة إخراج الهواء الفاسد من الرئتين

فهل أدى بالفعل استطراد هذين الفعلين الى ترجمة ماأراده الشاعر لديوانه وهل كان ارتكازه على
*الفعل الأول _____البحث الدائب عن الهواءليخرج الهواءل الثاني_____ زفرات يطلقها الشاعر ليخرج الهواء الفاسد من صدره
فى الفعلين كما قلت حالة تطابق واضحة فهما قاصم مشترك للحركة الدائرية التى تحيلك نهايتها الى بدايتها دون افتعال أو تزويق.
ولو أمعنا النظر فى قصائد مفتاح ميلود ((أنفاسه)) سنجد أن هناك نوع من التطابقبين العنوان الكلى للديوان وبين مايعنيه الشاعر من حيث انه بوح يأتي بسياقات الأنفاس المتسقة التى نرى من خلالها الفعل الانسانى الدائم ((الشهيق --------الزفير))
اختار الشاعر فى ديوانه منحنى يمكن من خلاله إيصال المعنى الى المتلقي إلا وهو رؤية الرسام فالتشكيل كان براح لقصائده ولكنه لم يدخل فقط بتنويعات التشكيل بقدر مااستند على خلفية أخرى خلفية القاص الذي يضع باتساق الأفعال تاركا لنا ردود الأفعال .
هاتان الرؤيتان (( الفنان التشكيلي – القاص)) اجتمعتا فى قلب شاعر لم يراهن على أن بطاء ارض السؤال بقصائده بل التزم بعقلية القاص ومخيلة الرسام أن يطرح لنا أنفاسه تاركا لنا الخيار فى المشاركة عبر ردود أفعالنا حيال تداعيات الصور ألمقدمه .
صور مختزلة قدمها لنا وهو يمارس النزق على اللغة يرسم لوحاته على ارض قصائده متناسيا عن عمد ترتيب اللغة.

إن من يسعى من النقاد الى تأكيد أهمية اللغة فى الخطاب الابداعى سيقول لنا ببساطه أن الأثر الادبى ((أى اثر)) يتكون من كلمات ولكننا نضيف على أن أى اثر هو فى الواقع كأى نص مصاغ لاتكونه الكلمات وحدها بل الجُمْل أيضاً وهذه الجُمْل هي وحدها مايصنع تداعيات الصور وتضاريسها فى انفاس مفتاح ميلود لنقراء معا هذا المقطع

((لم يشف غليل البوم.
حين جفت الآبار.
إلا عش فى الدلو))1
...............................
أو هذا المقطع.....

((مدفون فى باطن الأرض.
كنز من ذهب.
تجاوره الآن كومة من قش
أدخرها النمل.))2

ولو أمعنا ودققنا سنكتشف أن هذين المقطعين هما بمثابة المشهد الجامد اللوحة الصامتة لوحة تشكيليه .
ففي المقطع الأول ستكون اللوحة على مدار الرؤية للمتلقي بهذا الشكل
((بئر مهجورـ دلو ماء فارغ ـ بوم يعشش فى الدلو ))
وفى المقطع الثاني ستخرج لنا اللوحة بهذا الشكل
(( كومة من ذهب مدفونة تحت باطن الأرض ـ كومة من القش تجاورها ـ نياسب النمل وهى تواصل الادخار للقش ـ الذهب قابع فى مكانه ))

فى المقطع الأول جاء اللون الغالب رمادي ليعكس الجفاف المترتب على المنظر الخراب الذي يمثله هجر المكان

فى المقطع الثاني كان انعكاس اللون فى الأساس لكومة الذهب وكومة القش هو اللون الأصفر
هو انعكاس للمعان ملفت للنظر فى ظلمات الأرض
فى المقطع الأول تدخل الشاعر فى تفاصيل النص كراوي حيث جاءت كلمة (( لم يشف غليل)) لاكتمال المعنى المرادف للصورة حيث أن الصورة فى واقع الحال (( الزمن الحاضر للصورة))
خراب ودمار قدمه الشاعر للمكان والذي يعكس الصورة المترسبة عن هذا المشهد تأتى فى إطار(( الزمن الماضي)) دلالة على أن المكان كان زاخرا بالحركة والحياة
استطراد للمعنى المضارع كان بمثابة الحقد المتغلغل فى البوم أو حالة النكاية فى الحاضر
قدمت لنا مشهدا مهشما كان تسيد الخراب فيه هو السائد.

فى المقطع الثاني كان تدخل الشاعر للفصل بين الكومتين
الكومة الأولى / كنز الذهب _________الزمن الماضي الفعل/ مدفون
الكومة الثانية / كومة القش________ الزمن مضارع الفعل /تجاوره ألان
العلاقة الأولى ستكون متوافقة حيث أن فعل الدفن للكومتين بمثابة كنز الأول ((الذهب))
للبشر الثاني (( القش)) للنمل .

العلاقة الثانية ستكون متضادة (( ساخرة)) بين الإنسان والنمل وهذا ماعول عليه الشاعر
نستشهد هنا بما قاله {سيف الرحبىٍ} عن الشعر فى لقاء أجراه معه ((محمد الصالحى و والعربي الذهبي ))حيث يقول /" إن الشعر تأسيس على نقيض الإيديولوجيات الكبرى حيث يجد فى التفاصيل اليومية الصغيرة بعضا من العزاء فيختلق منها مشروعا .وهنا تجد قصيدة النثر ضالتها"
أننا حين نقراء قصائد مفتاح ميلود نكتشف هذا الأمر أمر استغلا ل التفاصيل الصغيرة لصنع المفارقة
والتى بدورها تصنع الحالة التى راهن عليها الشاعر إزائنا حالة رد الفعل
هذا الاستغلال جاء حتى للعناوين التى عنون بها قصائده وهى عناوين تقودك الى التشكبل الذى اشرنا اليه سابقا
((أوجاع/القمر/تداخل/جدران/خطوات/رؤى/سكينه شجون/زهر /سنابل/...الخ))
إن العلاقة التى تقوم بين الكلمات تكون فى حالة حضور يمكن أن تكون صور مجازية لكن هذا الافتراض لايكفى. لأنه بالضرورة لايمكن أن يتحقق الا إنطلاقا من اللحظة التى يدرك فيها متلقى الخطاب أنها بالفعل صورة..وفى الواقع كان الايحاء الى المتلقى بالصورة هى ماعول عليه الشاعر كثيرا ذلك لأنه يعى تماما أن الصور المتداعية التى استولدها فى دواخلنا هى فى الحقيقة فعل للفاعل تخيل وليست مفعولا به.


الملفت للانتباه هو حالات الخيبة المقرونة بالوجع التى اطر بها مفتاح ميلود صوره المتداعية
وكأن المقطع الذى نختزله الان والذى يمثل لسان حال الشاعر /
" لو أنك
علمتنى شيئا آخر !!
غير إمتهان الخيبة
لكنت ممتنا لك
أيها الشعر!!"

وبعد...
لاشك أن مفتاح ميلود من خلال انفاسه يفتح اشراقات دلاليه لصور متعدده لكنها تحمل رؤى ناضجة ..وأفق يتسع بحجم الكون ولاأبالغ اذا قلت أن أشعاره تستمد قوتها من الصور المتداعيه التى ينجها الشاعر بعين التشكيلى ومخيلة القاص..
إن الشاعر يضمن تفتح نصوصه على تأويلات خاصة وكذلك فهو يراهن من خلال هذه التأويلات المتعدده لأنساق الصور المتداعيه فى قصائده على مشروعية الفكرة الواحده التى سيستخلصها المتلقى ذلك لأنه حول الصورة الى بنية حية يجدر بنا التوقف عندها وتأملها لذاتها هذا التوقف قد يجعلنا مع الشفرات التى وضعها الشاعر فى أطر قصائده فى حالة تأهب دائم للوصول الى غايات الشاعر .






هناك تعليق واحد:

أشرف المصري يقول...

بسم الله العلّي القدير

أستاذي الجميل وأخي/ سعد الحمري

بدءاً ..
أود تهنئتك على افتتاح هذه المدونة الجميلة..
التي تعتبر هامة من هامات الأدب الهادف.. الذي نفخر به نحن العرب..

ثانياً..
أود شكرك من أعماق قلبي..
على تلك الكلمات الشفيفة التي كتبتها عني،
وقرأتني بها بنحو إنساني صحيح..
في متصفح لك بإملاءات المطر (دعوة لبراح نقدي)

ثالثاً..
أعتذر لك بحدة.. وبشدة .. وبألم
عن عدم تمكني من الدخول لذلك المتصفح الكبير..
والتعليق على ما كتبته.. فليس تعالياً مني أيها الصديق
أنا صغير بما يكفي ليكتب عني أستاذ مثلك...
فقط لدي أسباب كثيرة لعدم دخول المطر،
والولوج لتلك الكلمات السامية.. التي كتبها أستاذ كبير كسعد الحمري..


محبتي وودي الكبير
أشرف المصري