الاثنين، 3 أغسطس 2009

عتبات النص الروائي / رواية وبر الاحصنة لنجوى بن شتوان


حال الدخول الى العالم المنسوج فى رواية ( وبر الأحصنة)) لنجوى بن شتوان الصادرة عن " مركز الحضارة العربية القاهرة منشورات 2007 تستوقفك ملاحظة مهمة الا وهى أعتيادية وضع العتبات الأولية للنص وهذه العتبات وإن تباينت الا أنها تضل بمثابة نص موازى يهدف الىتقديم تصور أولى يسعفنا فى بلورة النظرية النقدية فى التحليل إجمالا وكذلك فى إرساء قواعد معينة لدراسة هذا الخطاب الروائى وهذه العتبات هى بمثابة البهو ((بتعبير لوى بورخيس)) الذى منه ندلف الى دهاليز نتحاور فيها مع امؤلف الحقيقى والمتخيل معا كما أنها
(( أى العتبات )) تسعى بحسب تعبير (( شعيب بوحليفى )) الى تقشير جيولوجيا المعنى بوعى يحفر فى التفاصيل وفى النص الادبي 1 فقراءة العتبات وتحليلها فى علاقتها بالنص الروائى تشكل نوع من الإحاطة بعالم الرواية والروائى معا.
وتتعدد العتبات فى رواية وبر الاحصنه بل وتتداخل لكنها فى المجمل تضل علامات شارحة تمت بصلة ما للنص الروائى الذى نحن بصدد الدخول فى عوالمه ويمكننا أن نسترجعها خطوة بخطوة سعيا منا للوصول الى غايات نجوى بن شتوان إبان كتابتها لهذه الرواية.
العتبة الاولى (( وبر الاحصنة )) عنوان رئيسى
العتبة الثانية نصوص فى التكوين والنشأة علامة شارحة عنوان فرعى
العتبة الثالثة عن الحقيقة البيضاء للبيضة علامة شارحة عنوان فرعى آخر
العتبة الرابعه عن سين من نسل حمد عن محمد عن أم الهجرس أنها قالت استبطان تاريخى
العتبة الخامسة فلمن يقراء ويفهم..فقط واذا فقط ...هذا الكتاب علامة أستفزازية .
العتبة السادسة لتكن هذه الابيات / قصيدة استهلال مبطن يعود للعلامات الشارحة

فى العتبة الأولى (( العنوان الرئيسى)) يستوقفك لتطالعه وأيضا لتبحث عن علاقة هذا العنوان بالمتن الروائى والذى سيحيلك الى داخل الرواية والتى وردت هذه العبارة فيها
(( ذهبت الوالدة صبيحة حلم أبنتها تفتش فى الخلاء عن عشبة لها وبر ولاتأكلها إلا الاحصنة لكى تضعها فى الدار وتبخر بها الدار مما رأت اعويشة ))2
العلاقة هنا لاتبرز حيال المعنى الذى يستوقفنا وهو (( وبر الاحصنة)) كعلاقة بالكائن (( الحصان)) لكنها تقودنا الى عشبة أو نبتة لها خاصية طرد الاشياء المفزعة والشر حيث أن ذهاب أم اعويشة للبحث عنها جاء كردة فعل على ما رأته اعويشة فى المنام ..هذا المنام الذى تبين انه فاجعة للأم .
((حين أخبرت به والدتها وجمت وطلبت منها عدم سرد المنام على أحد لقد سكتت الام قلبيا))3
(( كان واضحا جدا أن مارأته الطفلة لايجب أن يحويه رأس واحد وفى المنام أيضا عبرت الوالدة لطفلتهاعن خشيتها مما سيأتى به الغيب لها " مكبر همك يابنتى))4

ورغم أن هذه الاشارات تقودنا الى سيرة الفاجعه (( سيرة عائشة)) بطلة المتن الروائى والتى تحكى الرواية سيرتها وسيرة نسلها الا أنها تقودنا الى معنى شمولى أخر الا وهى سيرة المعاناة للمراءة واضطهادها وتحفزنا أيضا للقراء من جديد للولوج الى المعنى القصدى لهذه السيرة .
فيما يخص العتبة الثانية ( نصوص فى التكوين والنشأة)) فهى وإن تبدو علامة شارحة إلا أنها تقودنا الى حصر أهتماماتنا بالتكوين الأول والنشئة الأولى لإن الكاتبة عمدت الى شرح هذه الكلمة فى الجملة التالية التى اعتبرناها عتبة أخرى
(( عن الحقيقة البيضاء للبيضة)) فهذه العتبة وإن بدت منفصلة إلا أنها أيضا موضحة للعبارة التى تسبقها وكذلك فهى شارحة للمتن الروائى فالحقيقة البيضاء تحيلنا الى إخبار مملوء بالمصداقية أو الحقيقة الناصعة البياض كما يقولون وما يتبقى من الجمله أن هذا الإخبار الناصع البياض جاء عن البيضة والبيضة ستقودنا بالتأكيد الى العتبة السابقه (( نصوص فى التكوين والنشأة))
تأتى بعد ذلك العتبة الرابعه ..
(( عن سين من نسل حمد ..عن محمد ..عن أم الهجرس..أنها قالت لأبنها "هات من يقراء ويفهم))
هذه المتواليات التى تولدت عن عنعنه بالتتابع تقودنا حتما الى سيرة تاريخية متواليه أو فلنقل أنا سيرة تاريخية مستنسخة عن النص الاصلى ومكرر بتتابع تاريخى مملؤ بالعنعنة من جيل الى آخر.
في العتبة الخامسة تستوقفنا العبارة التي لا تمت بصله إلى ما سبق سوى في العبارة الأخيرة لقول أم الهجرس لأبنها بدافع أنها متوالية عن العنعنة السابقة لكنها تدفعنا إلى استفزاز مشاعرنا ((كقراء)) وهو ماجعلنى أضمنها كعلامة استفزازية
(( فلمن يقرءا ويفهم...فقط وإذا فقط...هذا الكتاب)) فهذه العتبة شكلت استفزازا معرفيا شكل بدوره محاثة أمام توهج النص الروائي فالقارئ الذي يلج النص الادبى سيكتشف أن توجيه ليس شموليا عاما لكل القراء فالعبارة التي اقترحتها
(( نجوى بن شتوان ))(( فلمن يقرءا ويفهم....الخ)) حال دخولنا إلى دفتي الكتاب هو مقترح شكل نوع من الاستفزاز للقارئ ..على اعتبار أنه لا يشتمل على معاينة فعل القراءة فقط بل والفهم وهذه الدعوة الخاصة للفهم والتي رأت الروائية وضعها لتقود القارئ إلى نوع من القراءة المتعمقة ليكون ضرورة حتمية وشرطا أساسيا حيال الدخول إلى عوالم الرواية ..
فهل شكلت هذه الدعوة دفعا معرفيا للقارئ لبث مشاعره وأرائه حول شيء معين أم أنها كانت علامة مستفزة حيال الرواية ككل (( كائن واحد وعلامة استفهام واحدة))
إبان التفحص لهذه الحيثيات نسترجع ماقاله ((إيزر)) أحد أهم رواد مدرسة "كوتستانز)) الالمانية وأهم واضعو الهيكل النظرى لما يسمى بنظرية .
((جمالية التلقى)) وهى نظرية توفيقية تجمع بين جمالية النص وجمالية تلقيه إستنادا الى تجارب المتلقى وردود أفعاله بأعتباره عنصرا فعالا وحيا يقوم بينه وبين النص الجمالى تواصل وتفاعل فنى ينتج عنهما تأثر نفسى ودهشة انفعالية ثم تفسير وتأويل فحكم جمالى استنادا الى موضوع جمالى ذو علاقة بالوعى الجمعى حيث يميز ((إيزر)) فى البداية بين ثلاثة نماذج من القراء أحدهم حقيقى وتاريخى وله وجود فعلى والآخران افتراضيان يتضمنهما النص يكون الاول صورة ذخيرة معرفية تتكون من المعرفة الاجتماعيه والتاريخية لفترة معينة أما الثانى فهو الذى يتصوره المؤلف ويضعه فى حساباته عند وضعه لأستراتيجية النص وقد يكون امتدادا للقارىء التاريخى تاذى يبدو فى شكل نماذج متماثله ومتكرره أو قد يشكل نموذجا جديدا إذا كانت استراتيجية المؤلف تخرج عن السائد وتخترق المألوف وذلك فى محاولة منه تعمد الى تخيل قارىء نموذجى جديد
وهذا القارىء النموذجى هو الذى تحدث عنه ايكو فى كتابه القارىء والحكاية والذى يقول فيه(( فإن يكون المرء نصا يعنى أن يضع فى حيز الفعل أستراتيجية ناجزة شأن كل استراتيجية (( إستراتيجية الشطرنج مثلا)) وعليه فإنه غالبا ماينصرف الى رسم صورة خصم نموذجى ..وذلك هو شأن النصوص جميعا إذ ينبغى للمؤلف فى سبيل أن ينظم أستراتيجية النص أن يلجاء الى سلسلة الكفايات وهذا مايلزمه التسليم بأن مجموعة الكفايات التى يرجع اليها إنما هى ذاتها مايلجاء اليه قارئه ..لذا نراه يستشف وجود قارىء نموذجى))5
ومن هنا جاء سياق الاستفزاز الذى وضعته الكاتبه سياقا حاثا مستفزا وصول الى القارىء النموذجى الذى تطمح اليه نجوى بن شتوان (( يقراء أولا ثم يفهم))
وإذا فإن وجود هذا الاستهلال الآولى المتعدد العتبات يصبح ذو وظيفة كبيرة فى الرواية..فهو لايفسر سير القص فحسب بل يعمل على تهيئتنا للدخول فى عالم الرواية التخيلى بكل أبعاده بإعطائه الخلفية العامة لهذه العالم لنستطيع بعدها ربط الخيوط والاحداث التى ستنسجها الكاتبة لنا فيما بعد.
تضل العتبة الاخيرة فى هذا الاستهلال معلقة ..والتى اخذت كيانا من استعارة الكاتبة لقصيدة الشاعر الانجليزى(( فيليب لاركن)) وعلى الرغم من إستعارة هذه الابيات ليست بريئة بتعبير (( روب غرييه)) فهى حسب رأيه فى الاستعارة تتجه وتكشف موقف ميتافيزيقي وحال قراءة هذه الابيات نكتشف أنها من صميم لعبة الروائية التى أرادتها لنا والتى تقرر أن تضعنا على حافة الحدث الروائى وفى المقطع الاخير تتضح العبارة والرؤية معا
" يتناقل الانسان البؤس أبا عن جد
ويتفاقم البؤس كالرف الصخرى قرب سطح الماء
فلتخرج منها فى أقرب وقت
ولاتنجب أنت أى أولاد"6
وهذا الاطار التراثى هو ماعبر عنه الشاعر أبو العلاء المعرى ذاك الذى أصبغ التشاؤمية على كل ماحوله لأحتجاجه على ولوجه لهذه الدنيا ولازلنا نردد معه (( هذا ماجناه أبى على ... وماجنيت على أحد))
ولايخلو النص من عتبات اضافية متجددة دوما ولكنها لاتقع كعتبات استهلالية بل تكون مقدمة للوحات داخل الرواية لكنها ايضا تضل علامات وعتبات شارحة للنص وتكويناته الرواية مضيفة خاصية اخرى لهذه الشروح فى أنها ترسم سير الاحداث والمتواليات التى تقدمها الكاتبه والتى تندرج ضمن إطار التسلسل الزمنى للسرد الروائى ولأن الروائية تحاول أن تنجح فى إيهام القارىء بحقيقة الاحداث
محاولة إلغاء الحاجز النفسى بينه وبين الظاهرة الروائية بشكل عام فإنها تعمد الى صبغ الصيغ السردية لعناوين هذه اللوحات وحتى بعد تمحيص هذه العناوين نكتشف أنها علامات ضمنية شارحة لكل لوحة
1/ مستخرج رسمى من سجل واقعة ولادة رب العائلة ا صل الحكاية السيرة الاولى كونية الحكاية
2/ حاء من نسل حمد التحدر السلالى للانثى بداية الاشكالية فى القمع
3/ سين من نسل حمد التحدر السلالى للذكورية بداية الاشكالية فى الهيمنه
4/المعبر بداية السيره مقدماتها وتوابعها التى ستأتى لاحقا
5/فضاء السلسول أستكمال الماقبل فى السيره أستمرار فى عرض الاشكاليات
6/وبر الاحصنة السيرة الحقيقية سيرة النسل والاصل (( الرواية فى الاساس))
7/فراغ الامتلاء عود على ذى بدء أستكمال الجزء الناقص فى القصيدة الاولى

وفى كل لحظة إطلاعنا على هذه البؤر الضوئية سنكتشف أن هناك تفاصيل قى هذه العتبات .تفاصيل ضاغطة على وجدان الروائية ربما نتجت عن وطأة ضغوطات أجتماعية على العاطفة...وكذلك يمكن أن تكون نتاج قسرة التغيرات الاجتماعية وإرتباطها يلبتقاليد والموروثات التى تحط من قدر المرأة وتحتقرها.
وتمارس الكاتبة (( الروائية)) ذلك بوعى بلسان الراوى العليم الذى يمارس الحكى ويسلط الضوء على الاشياء فيما يمارس عليها سخرية لاذعه.
قدمت نجوى بن شتوان خلال هذه الرواية لعبة التداعى من خلال استثمار واعى لأنتقال الازمنة وتثمير مناطق اللاشعور من خلال احتفائها بشعرية السرد حيث تصبح الذات منطلق الروائبة والروائى وحين يغدو الواجدان منعكسا لتأزم هذه الذات الروائية التى تتحرر من السرد التقليدى مكونة مركزا هاما لأستبطان وجهة النظر
والرواية كونها رواية نسائية أرتبطت أرتباطا غائما بتجربة الكاتبة فى الحياة وضمن حدود المكان ..ولأنها كذلك فإنها مارست لعبة ملاحقة أسباب الاسباب فهى تخرج بنا من نفق لتدخل نفق آخر وكأنها بذلك تتبنى وجهة نظر المفكر الفرنسى (( ألتوسير)) الذى يصر على أن المشكلة لايمكن حلها دون حل الاشكاليات المرتبطة بها ومن هنا جاء اصرار نجوى بن شتوان على أن تفتش على الاشكالية الكامنة فى كل ظاهرة ووضع اليد على العلة وقد نجحت فى ابراز هذه الاشكالياتمن خلال منولوج داخلى مرتئبة أن هذه التقنية هى خبر وسيله للكشف عن التعارض القائم بين كونها أنثى وبين العالم الخارجى الذى يحتوى هذه الاشكاليات .


وبعد...
فهذه الدراسة كانت حول عتبات النص وتقنيات تواجدها ووشائطها الشارحة حاولت جاهدا أن أطرح من خلالها رؤية الكاتبة الروائية نجوى بن شتوان فى هذا العمل الابداعى الفذ....








هوامش/
1/ د. شعيب بوحليفى (( النص الموازى للرواية . أستراتيجية العنوان)) مجلة الكرمل قبرص العدد46 /1992 ص82
2/ الرواية ص81/82
3/الرواية ص81
4/الرواية ص81
5/ إمبيرتو إيكو (( القارىء والحكاية )) ص67و68
6/الروايةص5




















ليست هناك تعليقات: