الجمعة، 18 سبتمبر 2009

مقدمة لكتاب مفازة التأويل (( رؤية مغايرة لقراة النص الروائى /أولاد حارتنا نموذجا))








مفازة التأويل


"رؤية مغايرة لقراءة النص الروائى



التأويل هذا المصطلح الذي علق ذهنيا بمصطلح قديم هو التفسير وعلم التفسير الذي استمد ثوابته والكثير من شروط التعايش أو فلنقل جل شروط تعايشه من مركزية النص المقدس ..هذا هو علم التأويل أو بمصطلحة القديم الجديد الهرمينوطيقا ((HERMENEUTIES)) تفتح الآن وبقوة مع كل مايقدمه الفكر والفن وهو اليوم يعيد نفسه بقوة ليصنع خلافا واسع بين النقاد حول مشروعيته .

سنتوقف مع مقولة المفكر الفرنسي (( بول ريكور)) والتي مفادها أن (( الرمزي هو الوسيط الكلى والشامل للفكر بيننا وبين الواقع على اعتبار انه يعبر قبل كل شيء عن لامباشرية فهمنا للواقع )) من خلال هذه المقولة لايمكننا الادعاء بأننا نستطيع أدراك العالم وامتلاكه ثقافيا إلا بواسطة مانتملكه من لغة إذ لاتتوفر اى إمكانيات لدينا لإنشاء علاقة بين الوعي في أبعاده الذاتية وعالم اللغة إنما يتم من خلال وعبر دائرة التأويل .
إن الرمزية كقناع وظيفتها الأساسية فتح عالم النص على التعددية وعلى تأويلات متصارعة بالإضافة الى كونها
(( أي الرمزية)) عنصر فعال وهام في تنشيط فعل التخيل في الذات
.ففي الرمز تكمن إحدى أهم خصائص التأويل ألا وهى ازدواجية المعاني وهنا لابد لنا من التأويل أو اللجوء إلى التأويل
إن النص موضوع التأويل هو فى الواقع الوجه المحقق والمشخص لسلسلة من القيم والوحدات المجردة التي يمكننا الحصول عليها من خلال تحويل الفعل من صيغه وأبعاده المباشرة القابلة للإدراك والمعاينة ليصبح هذا الفعل مصدرا حقيقيا لأستنتاج خلاصات مجردة منها مايعود إلى نمط عيش ومنها مايعود إلى طبيعة العقليات الباطنه ومنها مايخبرنا بتأني وبإسهاب عن المعتقدات الدينية والايديولوجيه والأسطورية.



إن تعبير السيميائى الامريكى (( شارل ساندرس بورس)) الذي يقول فيه (( التأويل هو أداة التوسط الالزامى)) ربما سيساعدنا قليلا فهو يضعنا بين القيمة المجردة وتحققاتها في الفعل فدون هذه الحقيقة لن نعرف أبدا أن فهمنا للتاريخ يرتبط ارتباطا وثيقا بفهمنا التأويلي .
من هنا يمكن النظر إلى الفاعلية التأويلية كتمظهر صريح لايدولوجيا ما. على انه تشكيل معرفي وإيديولوجي متماسك للذات والعالم . وهذا التشكيل بطبيعة الحال يفرز صور الذات والآخر عبر وسيط شديد الفاعلية هو النص الابداعى.



ولكن.


ماالذى يجعل تأويل النص الابداعى مهما إلى هذه الدرجة ...؟
هل هو الغموض الدلالي الذي يكتنفه ...؟ أم هي القصدية
(( قصدية المؤلف ))..؟أم هو المؤول بوصفه ذاتا تريد فك إزار النص للوصول إلى المعنى ..؟ أم هي المسافة الزمنية التي تفصل النص الابداعى عن سياق القراءة والتأويل ..؟

عندما نتناول موضوع تأويل النص الابداعى فإننا نواجه العديد من المشكلات المرتبطة بالفهم ثم بالمعنى من حيث طبيعة هذا المعنى وطرق إنتاجه ..وكذلك صيغ التحقق منه ..
هنا سنعود إلى متاهة الاسئله ونتساءل هل يواجه فهم النص حدود معينه ...؟ أم انه لاتوجد حدود تقيد هذه الممارسة..وهل يمكن الحديث عن عدد لامتناهى من التأويلات لنص واحد وهل تنوع هذه التأويلات أمر ممكن ..؟
" إن المعنى لايمكن أن يُصاغ وأن يوجد بشكل مرئي إلا في حدود انبثاقه من عمليات تخص بناء النص وأشكال تلقيه وتداوله "1
إذا فموضوع اقترابنا من النص يستند ويتمحور على عمليات تخص النص نفسه
" على هذا الأساس فإن الكشف عن الترابط الموجود بين هذه المادة المضمونية غير المرئية وبين أشكال التحقق هو السبيل إلى تحديد بؤرة التدليل وأشكال التأويل المرتبطة به ""2
هنا سنكتشف أنه لايمكن العزل بين فهم النص وتأويله بل إن التأويل هو نوع من التحقق هو أعلى مرتبة من الفهم ..فمن خلال التأويل نتفاعل مع بُنيةالنص لذلك فهو قابل للنقاش على اعتبار أننا لانقف من خلاله إلا على جزء بسيط من هذا الذي يستتر وراء النص ويكمن داخله .


إن عوالم الترميز والرمزية أرحب من أن تخرج بتأويل واحد لأنها لاتكتفى بصياغة أشكال مجردة يمكن أن نجعل لها مقابلا رمزيا لحالات فعلية بل إن الأمر يتعدى أكثر من ذلك فهذه العوالم تفتح أفاق الخيال الانسانى وقدرته على خلق عوالم متحررة من القصديات الموضوعية ..
نعود نتساءل لماذا يكون التعدد التأويلي ممكنا...؟إن مواضع الشك في النص هي شرط اساسى لكل تأويل
على اعتبار إن فعل الشك يساهم في تأسيس فعل التأويل وبعثة في فعاليته القصوى.فالتأويل ككل حوار هو دائرة تتغير وتسلك مجرى آخر ضمن جدلية السؤال والجواب وانطلاقا من هذا الاعتبار فإن فعل التأويل يتضمن صوت الآخر ويدعمه بوصفه متلقياً تاريخياَ يتواصل مع الوعي القارئ في كل لحظة نباشر فيها تجربة القراءة كما يؤكد (( كادامير ) على الوضع التاريخي الذي يشغله المؤول القارئ إزاء حضوره الآني من جهة ونتيجة انتمائه غير المباشر للنص الذي يحاول أن يتفهمه من دون الخروج عنه من جهة أخرى ..
وما يحفز النشاط التأويلي هو تفاوت الآفاق بين المبدع والمؤول أو كما يقولون إذا أردت فهم مايقوله النص بالضبط فإنه يتوجب على تجاربك أن تكون وعاء لهذا الفهم
أي بمعنى آخر إنما يُفهم النص حينما تقع فكرته المركزية في سياق التساؤلات وكذلك كافة العناصر التي تكتنفها آفاق المؤول وتجاربه..هنا تؤدى المسافة التي تحمل كافة هذه التراكمات وهى التي تفصل آفاق النص عن القارئ إلى حالة من انعدام الفهم تلك التي أشار إليها كادامير وهنا لابد من التغلب على حالة انعدام
الفهم تلك وذلك بوضع بدائل تفترضها القراءة المتعددة للنص تأتى في إطار تأويل متعدد الأبعاد.
هذا التأويل المغامرة افترض أيضاً انه يقيم علاقة استفزازية بالحاضر فهو يغامر سعيا لتأسيس معنى مفقود أو غائب فهو يمارس صراعا ضاريا مع المعاني التي لاتتناسب مع رؤيته.
من هنا فالتأويل كمصطلح دال على (( استيلاد)) للمعنى الغائب أو المعنى الداخلي والمكبوت لدى المبدع وهذا الاستيلاد يتمخض عن معنى يبحث عن شرعية وجوده وبالمقابل يبحث عن مشروعية حجبه للمعاني السابقة لوجوده ومن هنا تنبثق سلطة التأويل

وبين الماضى والحاضر هناك تحولات شاملة طاولت حتى مفهوم التأويل فهو قديما كان يتوجه الى النص فى محاولة فهمه على حقيقته بينما توجه بمعناه الحديث الى ماهو وراء النص لتفهم تلك الحالة المنتجة للنص وبالتالى بناء فهم النص على فهم منتجه والمجتمع الذى افرزه.
ومحاولة منا لاستقراء المفهوم التراثى فى تاريخنا الاسلامى بالتحديد وبحثا عن نقاط تماس سنغوص قليلا فى هذه التعريفات لهذا المصطلح من خلال ماقاله الجرجانى وابن الجوزى وابن منظور وغيرهم .
ورد عند بن الجوزى تعريف يفرق مابين التفسير والتأويل يقول فيه
(( التأويل هو العدول عن ظاهر اللفظ الى معنى لايقتضيه لدليل دل عليه اما التفسير فهو ابداء المعنى المستتر باللفظ))
وعند بن عربى فى الفتوحات المكية يصل بن عربى الى الشمولية فى قولته المشهورة (( مافى الكون كلام لايتأول))من هنا فابن عربى يؤكد أن التأويل يلمس الحقيقة بخلاف بن حزم الذى يعتبر ان التأويل هو انحراف عن النص وعن صورته الحقيقيه

ويبدو لنا أن ابن الجوزى أكثر تلمسا لحقيقة التأويل وإن كان ذلك من خلال تعريف عام مقارن حيث استشهد بقولة أبى القاسم النحوى "الزجاجى" الذى يقول (( إن التأويل فى اللغة هو المرجع والمصير))

تتواصل البنية التراثية لهذا المفهوم الاصطلاحى المعطى للتأويل وبشى من الحذر وذلك لأرتباطها بكافة نواحى الحياه فهى اذ تقوم بتعريفه كعملية اجتهادية /ابداعية فى استيلاد المعنى الاصلى فى النص

لكن الاختلاف يبدو واضحا بين الممارسه والتعريف وهذا الاختلاف عائد الى طبيعة النص المقدس وطابع التفكير وكذلك البنية التراثية والتاريخ بها.
فتعريف التأويل ضمن فضاء المعرفة الاسلامية يلتزم حدودا واضحة تماما ذلك لآن هناك سببين مهمين
الاول الخوف شديد على المقدس (( النص القرآنى )) من التحريف
T أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) T3

اما الثانى فهو الزام النص القرآنى بمعنى محدد
T هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) T4

هذا التنوع فى الاراء يشير الى ناحية مهمة وهى انه على الرغم من تنوع اراء فلاسفة المسلمين فى تعريف التأويل لكن هذه التنويعات اقتصرت على تعريفات عامه خشية الدخول فى مسائل فقهية أو اصطدام مع الفقهاء الذين التزموا حذرا متناهيا بصدد التأويل خوفا على القرآن الكريم من تأويل كما حصل مع التوراه من تحريف للمعنى فهذا التعسف جاء لأغلاق أى محاولة فى وجه الفكر التأويلى كان يرمى بالاساس الى منع امتداده اى التأويل الى النص المقدس.

اما بالنسبة للنص الابداعى



فنحن لايمكننا الفصل بين الشكل والمنضمون او نبحث عن اهداف معينة فى احدهما بمعزل عن الاخر فالمبدع الذى نرى انه يقوم بتطويع الاشياء لخدمة عمله الابداعى فذاته المبدعه هى التى تمنح الحياة للعمل الابداعى الذى هو حتما نتاج تراكمى نتاج تأثر وتأثير فى المحيط العام
لقد قدم لنا أمبيرتو إيكو صورة لأحد تيارات التأويل حيث يقول (( تيار يرى فى التأويل فعلا حرا لايخضع لأى ضوابط أو حدود فالسيرورة التأويليه تتطور خارج قوانين انسجام الخطاب او تماسكه الداخلى " فمن حق العلامة أن تحدد قراءتها حتى ولو ضاعت اللحظة التى أٌنتجت ضمنها الى الابد .او جهل مايود الكاتب قوله فالعلامة تسلم امرها لمتاهتها الاصلية " وفى هذه الحالة فإن التخلص من اللحظة التلفظية الأولى سيقود القراءة الى استحضار كل التأويلات الممكنة استنادا فقط الى رابط دلالى يفصل بين المعرفة التى تقدمها العلامة فى حالتها البدئية وبين المعرفة التى تقترحها المدلولات التاليه الناتجة عن فعل أو افعال التأويل .5
وبعد…
اننا نتوقف غالبا امام النص الابداعى الروائى سعيا منا لتمحيص النص والوصول الى غاياته المرجوة
هنا وأم العديد من الروايات العربية سنحاول ان نمتطى لعبة التأويل ومفازته للوصول إلى الغاية التي كتب من أجلها النص الابداعى وما مدى تأثيره وتأثره بالمحيط الذي كتب فيه
والله ولى التوفيق

سعد الحمرى
البيضاء شتاء2007
















مقدمة لكتاب مفازة التأويل (( رؤية مغايرة لقراة النص الروائى /أولاد حارتنا نموذجا))


1/سعيد بن كراد ((المعنى بين التعددية والتأويل الاحادى))مجلة علامات العدد13 سنة2000 ص90
2/ المرجع السابق
3/ سورة البقرة
4/سورة آل عمران
5/انظر((امبيرتو إيكو)) التأويل بين السيميائيات والتفكيكيه / ت/سعيد بن كراد المركز الثقافي العربي 2000



ليست هناك تعليقات: